رصد الفنية والثقافية: يونيو 2015

الاثنين، 29 يونيو 2015

الراوي الخارجي و الراوي الداخلي




   تنبني العملية الحكائية على ثلاث ركائز أساسية : الحكي ، الحكاية ، الشكل الحكائي . فالحكي  حكاية تحكى من خلال شكل حكائي ، والحكي يفترض وجود حاك يقوم بعملية الحكي وهو ما نسميه الراوي أو السارد Narrateur  ، ومروي له أو مسرود له Narrataire ، وسرد  Narration  
  والحكاية لابد لها من وسيط  أو شكل حكائي يمظهرها لنا وهذا الوسيط قد يكون رواية أو مسرحية أو حكيا شفويا أو فيلما ... فالحكاية لا يمكن أن توجد في غياب هذا الوسيط ، والحكاية تختلف من شكل حكائي إلى آخر تختلف تشويقا وجاذبية ، فحكاية نشاهدها مؤفلمة تختلف كثيرا عن تلك التي نتلقاها عن طريق السمع ، كما يمكن تحويل قصة فيلمية إلى قصة شفوية حين يقوم شخص بحكاية فيلم أو برنامج شاهده لصديقه  ، وهذه كلها أدلة على أن القصة يمكن أن تتخذ أشكالا متعددة  .                    
ويتخذ الرواة الذين يقومون برواية الحكاية أشكالا متعددة داخل الحكي :
ـ الراوي الخارجي : هو ذات مفارقة للعمل الحكائي ترى كل شيء من فوق وتعرف كل شيء عن الشخصيات الحكائية حتى ما يدور في رؤوسها  .
ـ الراوي الداخلي : هو شخصية تنتمي للحكاية ، معرفتها محدودة ، ومجبرة على أن تقدم  تفسيرا لكيفية تعرفها على كل خبر ترويه للمروي له .
 وحين يتعلق الأمر بالسرد الفيلمي فإن الراوي الخارجي هي العين التي نرى من خلالها مجريات الأحداث ، أما الراوي الداخلي فهي كل عين نرى الحدث من خلالها ، وكمثال شخص ينظر من ثقب المفتاح فإن ما نراه ، نراه من خلال عين شخصية  داخل حكائية وبالتالي فإن نظرتها للأشياء مقيدة بالحدود التي تسمح بها الرؤيا من خلال الثقب وأي تجاوز لذلك قد يطرح أسئلة استنكارية من قبل المتلقي .
  والعين الداخل حكائية لا تقتصر على ما تراه الشخصية الداخل حكائية ، فيمكن لهذه العين أن تكون عين كاميرا تستخدمها الشخصية  أو عين مكبرة  أو كاميرا في هاتف ... وحين استخدام هذه الأشياء كعين داخلية ينبغي الحذر من سوء استخدامها .
  ونقدم هذا المثال لسوء استخدام العين الداخلية في الحكي

كما يقدم عبد الرزاق الزاهير في كتابه ( السرد الفيلمي قراءة سيميائية) هذه القراءة لمشهد من فيلم الكيت كات لداوود عبد السيد
( نرى الطريق وهي تتمايل أمام عجلات الدراجة النارية ، فنفهم بأننا نرى بعين الراكب على الدراجة النارية ( الشيخ حسني ) وإذا علمنا أن هذه الشخصية ضريرة تبين لنا عدم انسجام الرؤية مع مجريات الحكاية )) [ص67] ، فلو أن المخرج استعمل الظلام أو الشاشة السوداء وصوت الصراخ والضجيج وصوت الدراجة النارية ... لكان المشهد أكثر تعبيرا .
 كما يتعدد المروي لهم داخل الحكي :
 ـ مروي له خارجي : وهو المتلقي الذي يقع خارج العملية الحكائية ككل ، وتأثيره في الراوي يتحدد من خلال الشكل الحكائي ، فإذا كان الشكل المعتمد لنقل الحكاية فيلما أو رواية أو تمثيلية إذاعية فإن تأثير المتلقي يكون منعدما فهو يستقبل ما يقال له دون نقاش ؛ أما إذا كان الوسيط حكيا شفويا فإن المتلقي يمكنه أن يوقف الراوي ليسأله عن بعض الأمور . والراوي الخارجي هو الذي يتوجه بالخطاب للمروي له الخارجي وبطريقة غير مباشرة ، أما حين يتدخل الراوي الداخلي ليتوجه بالكلام للمروي له الخارجي كما نرى في بعض الأعمال حين ينظر الممثل اتجاه الجمهور ويبدأ في مخاطبته فإننا قد لانستحسن العملية .
 ـ مروي له داخلي : يوجد داخل الحكاية ويفترض وجوبا وجود راو داخلي وهو في كثير من الأحيان القناة التي من خلالها تمر المعلومات للمروي له الخارجي . 



الخميس، 25 يونيو 2015

زمن الحكي وزمن الحكاية


  يقول تزفتان تودوروف Tzvetan Todorov  : « يُطْرَح مشكل تقديم الزمن داخل الحكي  بسبب الاختلاف بين زمانية الحكاية وزمانية الخطاب . فزمن الخطاب هو ، بمعنى من المعاني ، زمن خطي ، في حين أن زمن الحكاية هو زمن متعدد الأبعاد ، ففي الحكاية يمكن لأحداث متعددة أن تجري في نفس الوقت ، لكن الخطاب مجبر على وضعها بشكل متتابع ، كمحاولة إسقاط شكل هندسي معقد على خط مستقيم » .
    نحن إذن أمام مجموعة من المصطلحات : حكي Récit ، حكاية Histoire، خطاب Discours . وزمانية الحكاية Temporalité de L’histoire ، وزمانية الخطاب Temporalité du Discours ، زمن خطي  Temps linéaire ، زمن متعدد الأبعاد Temps pluridimensionnel .
  الحكاية هي كل حدث أو مجموعة أحداث تضمنت ما يجعل منها مادة صالحة لأن نرويها للآخرين ، أي مادة صالحة للحكي .
  الحكي هو الطريقة التي نقدم بها هذه الحكاية بشكل منظم يمكن المتلقي من فهم أحداثها .
 الخطاب هو الشكل الذي نختاره لتقديم هذا الحكي .
 لشرح هذا الكلام وبشكل مبسط سنأخذ هذا الفيديو

 1) لماذا اعتبرنا هذا المقطع حكاية ؟ لأنه تضمن حدثا جعل منه مادة صالحة للحكي ، فأحداث المباراة تستغرق أكثر من 90 دقيقة  لكن مايُستحق أن يحكى هو الأجداث المهمة داخل المباراة    ( الأهداف ، الفرص الضائعة ...) .
  2) المخرج الذي ينقل المباراة ينظم الأحداث المتعددة التي تقع في نفس الوقت حسب أهمية كل حدث ، فهو وهو يقوم بعملية الحكي مجبر على القيام بهذا التنظيم .
   ــ حدث اتجاه الكرة نحو المرمى .
   ــ حدث المدرب وكرسي الاحتياط وهم يتابعون الكرة 
   الحدثان يقعان في نفس الوقت لكن اكراهات الحكي تجبر الراوي على اتباع هذا التنظيم ، أو هذه الخطية في عرض الأحداث ، فهو يعرض حدث تسجيل الهدف ، وبعد ذلك يعرض حدث تفاعل كرسي الاحتياط ، فالراوي هنا ( المخرج) مجبر على احترام رغبات الجمهور ولن يقبل منه أي أحد في لحظة نقله للمباراة أن يرينا حدث تسجيل الهدف من خلال تفاعل كرسي      الاحتياط ، لكن إذا كان هذا الحدث مقطع في فيلم سينمائي فيمكن للمخرج أن يتلاعب بالأحداث كيفما يشاء .
 إذن هذا هو المقصود بالعلاقة بين زمنية الحكاية وزمنية الخطاب ، فهذا الأخير يفرض على الراوي ترتيب هذه الأحداث المتعددة وعرضها وفق نظام محدد .
 هذه الأحداث تتخذ في الواقع بعدا متشابكا وفي الخطاب شكلا منظما ، وهذا هو المقصود بإسقاط شكل هندسي معقد على خط مستقيم.

لتحميل مؤلف      موضوع السيناريو

                 دراسة تحليلية لمشهد السيناريو

                         اضغط الرابط


الخميس، 11 يونيو 2015

تحليل المشهد باعتباره جملة فيلمية




    إن نظرتنا إلى المشهد باعتباره جملة نحوية ( نحوالصورة ) 1، هي التي تفرض علينا دراسة هذه الجملة في انفصال عن الجمل النحوية الأخرى ( المشاهد ) ، فغايتنا هو الوقوف عند الحدود التي تخبرنا ما إن كنا أمام جملة صحيحة نحويا أم لا ، فهذه الجملة قبل أن تنخرط في البناء الكلي للحكي ، لابد أن تكون أولا صحيحة من الناحية التركيبية والدلالية ، و المتلقي  باعتباره طرفا في العملية التواصلية  لن يتقبل هذه الجملة إلا إذا كانت صحيحة ، لكن كيف نحكم على جملة فيلمية بأنها صحيحة أو خاطئة ؟ إن هذا ماسنحاول تطبيقه على هذا المشهد   ( الجملة الفيلمية ) من فيلم دكان شحاتة لخالد يوسف.
 





     عندما نتأمل هذا المشهد نلاحظ وجود خطأ ، فصوت المؤذن ، وصوت المدفع يشير إلى لحظة الغروب ، لكن نور الشمس ، وظل الأشجار ينفي هذه الدلالة عن الجملة .

  


   إذن نحن نحكم على هذه الجملة الفيلمية بالخطأ ، لكن علينا تقديم التفسير المنطقي الذي بنينا عليه حكمنا هذا .
   إننا حين نحكم على جملة ما بأنها جملة خاطئة فهذا يعني أننا نمتلك نموذجا صائبا نتخذه كمعيار للقياس ، لأن الخطأ مؤشر على وجود الصواب ، وإذا سلمنا بوجود هذا النموذج المعياري ، فعلينا أن نبحث عن آليات اشتغاله .
  إن الجملة الفيلمية تقدم لنا نفسها باعتبارها كلا متجانسا ، ونحن علينا القيام أولا بعملية تفكيك لهذا الكل المتجانس ، وهذا ما سنحاوله من خلال المشجر التالي :
   إذن بالقيام بعملية تفكيك ، نتوصل إلى أن الجملة الفيلمية تتشكل من ثلاثة عناصر : الزمان ، المكان، الأشياء .
  الزمان : الغروب / المكان : خارجي : أمام الدكان / الأشياء : بشر ، أشجار ، فواكه ، مدفع ، ثلج ، مشروب ، الشمس ...
  نلاحظ بأننا لم نوظف مفهوم الشخصية واستبدلناه بمفهوم ( بشر ) لأننا نتعامل مع المشهد باعتباره جملة نحوية ، أي جملة  معزولة عن سياقها الحكائي .
  نلاحظ أيضا وجود عناصر لاتظهر في المشهد لكننا ندركها من خلال عناصر أخرى ، صوت الآذان يحيل على المؤذن ، صوت الانفجار يحيل على المدفع ...
   المشهد يريد أن يوصل إلينا معلومة حلول وقت الإفطار في رمضان ، والإفطار يكون بعد غروب الشمس ، صوت المؤذن ، وصوت المدفع يخبرنا أن زمان المشهد هو فترة الغروب ، لكن نور الشمس وظل الأشجار يناقض هذه المعلومة .
   إذن فالعناصر داخل المشهد ، أوداخل هذه الجملة الفيلمية ، لم تتوفق في إيصال المعلومة بصورة صحيحة للمتلقي ، وبذلك فنحن أمام جملة نحوية خاطئة ، ولكي نصحح الجملة علينا إزالة نور الشمس وظل الأشجار ، أو اختيار فترة الغروب أثناء تصوير المشهد.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1 ـ نشير هنا أننا تعاملنا مع المشهد باعتباره جملة منفصلة عن كل الجمل الأخرى في الحكاية ، أي جملة تبتدأ مع بداية المشهد وتنتهي بنهايته ، لأننا حين نربطها بما قبلها ومابعدها سننتقل من العلاقات النحوية إلى العلاقات الحكائية ، وهذا يفرض إلى جانب الانضباط للقوانين النحوية ضرورة الانضباط للقوانين الحكائية .

الاثنين، 8 يونيو 2015

فيلم بلبل حيران مقارنة بين السيناريو والفيلم

يتضمن الفيلم عيبا سرديا ، سنحاول مشاهدة الفيلم واكتشاف هذا العيب السردي وتحديد من المسؤول عنه هل كاتب السيناريو أم المخرج ، وإذا كنت تريد تعلم تقنيات النقد الفني ،  أنصحك أولا بمشاهدة الفيلم ومحاولة اكتشاف الخطأ ثم إقرأ بعد ذلك التحليل المصاحب للفيلم .      

               




   سنقوم في هذه الدراسة بالمقارنة بين السيناريو باعتباره سردا خطيا والفيلم باعتباره سردا مصورا ، وسنحاول الوقوف على مكامن الخلل في العلاقة بينهما  وعلى معرفة من يستطيع التحكم أكثر في مجريات الأحداث ، كاتب السيناريو أو مخرج الفيلم ، وسنعتمد في هذه المقارنة على السيناريو الخطي لفيلم بلبل حيران والفيلم المصور ؛ السيناريو لخالد دياب ، والإخراج لخالد مرعي  
    يعتمد الحكي في فيلم بلبل حيران على الاسترجاع الزمني ( الفلاش باك flash back    ) حيث يتعرض البطل  نبيل ( أحمد حلمي )  لحادثة يدخل على إثرها للمستشفى  ثم يبدأ بعد ذلك  يحكي  للدكتورة أمل ( إيمي سمير غانم ) ما وقع له قبل الدخول إلى المستشفى .
   وعندما نكون أمام سرد يعتمد على الاسترجاع الزمني فهذا يعني أن الأحداث التي سنشاهدها ستكون من خلال عين داخل / حكائية ـ أي عين الشخصية التي تقوم بعملية الاسترجاع ـ وهذا يطرح دائما على هذه العين (الشخصية الحكائية ) تقديم مبرر مقنع عن كيفية تعرفها على كل حدث من أحداث الحكاية التي تسردها .
   وبالمقارنة بين السيناريو والفيلم نلاحظ وجود مشاهد قد حذفت وأخرى قد أضيفت تبعا لرؤية المخرج الفنية التي قد لاتوافق أحيانا رؤية السيناريست ، ومن المشاهد المحذوفة ، بعض المشاهد لعلي وهو في علاقات مع فتيات وكل فتاة لها عيوبها التي تجعلها لاتحصل على ميزة الفتاة الكاملة بالنسبة إليه .
   مشاهد مضافة لدواع كوميدية مثل مشهد اختيار العطر من محل الهدايا رفقة هالة ( شيري عادل) .
   مشاهد منقولة مثل مشهد سقوط علي بالمظلة من الطائرة حيث نجده في السيناريو مع عناوين المقدمة وفي الفيلم نجده في المشاهد الأخيرة .
   تغييرات في أحداث القصة حيث نجد في الفيلم أن هناك علاقة صداقة بين الدكتورة أمل وهالة وأن هذه الاخيرة قد حكت لها قصتها مع علي مما يجعل أمل تحاول الانتقام منه  لما فعله في صديقتها ، لكنها تتعاطف معه في الأخير عندما تسمع حكايته .
  وكل هذه الإضافات أو المحذوفات ليس لها تأثير على الفيلم  ، لكن من يشاهد الفيلم سيطرح سؤالا هو كيف عرف علي باتفاق هالة وياسمين ( زينة ) عليه  عندما كان يحكي حكايته للدكتورة أمل خصوصا أن آخر اتصال بينه وبينهما ( اعتمادا على السرد الفيلمي ) هو لحظة السقوط من الطائرة .
   إن التغييرات التي قام بها المخرج كانت موفقة في بعض الأحيان ، لكن تغييرات أخرى كانت كارثية وهي التي طرحت هذا التناقض أثناء سرد القصة من قبل بطل الفيلم ، فهو يقول في إحدى المشاهد من الفيلم ـ وهو يحكي لأمل ـ ( كل اللي فات حمادة واللي جاي حمادة ثاني ) ، وهو يقصد هنا اتفاق الفتاتين عليه بعد معرفتهما بأنه قام بخطبتهما هما الاثنين في نفس الوقت ، لكنه كيف عرف ذلك ؟ الحكي الفيلمي لايقدم لنا جوابا .
   لكن عندما نعود إلى السيناريو نجد هذا المشهد الذي تم حذفه أو تغييره أثناء التصوير .

المشهد 96 / نهار / داخلي
                                            عنبر المستشفى
نرى علي  ( نبيل في الفيلم ) متجبس كله كما رأيناه أول مرة ... علي يفتح عينيه ليرى الدنيا تدور ويرى الصورة منغمشة حتى تثبت لنرى ياسمين واقفة
ياسمين بضيق
                                   بأه بتعرفني أنا وهالة في نفس الوقت وبتقارن بينا
علي
أنا آسف ياسمين .. أنا غلطان حقك علي .. سامحيني .. أنا بحبك
ياسمين
إنت مبتحبش حد ..
علي
لاما تسبينيش يا ياسمين لا يا ياسمين
 الدنيا تدور بعلي لتصبح الصورة مظلمة ثم تضيء مرة أخرى ليرى أمامه هالة بدلا من ياسمين
هالة بعتب
بأه بتعرفني أنا وهالة في نفس الوقت وبتقارن بينا !!!
علي
أنا متأسف ياهالة ... أرجوك سامحيني ... أنا بحبك
هالة
إنت مابتحبش حد ...
الدنيا تظلم بعلي ثم تنور لنرى ياسمين بجوار هالة ونرى ابتسامة انتصار في عين هالة وياسمين
ياسمين بسخرية
عايز اثنين في واحد .. عايز تضربنا في الخلاط !!
هالة بسخرية
وتطلع منا واحد ميكس فيه كل حاجة إنت بتحبها
ياسمين
إنت ماتستهلش حتى نبص في وشك
هالة
دي مجيتنا هنا خسارة فيك
هالة وياسمين يتوجهان ليغادران
علي
يا ياسمين يا هالة متسيبونيش
هالة وياسمين يخرجان
   إن حذف هذا المشهد هو السبب في العيب السردي الذي وقع فيه مخرج الفيلم وهو يقوم بتحريك السراد داخل الحكي الفيلمي

لتحميل أو قراءة الكتاب اضغط الرابظ


                                                                اضغط  هنا 


سيناريو فيلم بلبل حيران اضغط هنا
       

الاثنين، 1 يونيو 2015

موضوع السيناريو دراسة تحليلية لمشهد السيناريو


http:www.facebook.com/saidelharec

  اهتمت جميع المؤلفات التي اتخذت من السيناريو موضوعا للبحت والتنظير بمحاولة دراسة كل الجوانب المتعلقة بهذا الشكل الحكائي : الحكي ، والحكاية ، وكيفية كتابة السيناريو، كما اهتموا بمحاولة وضع تعاريف لبعض المفاهيم المرتبطة بالسيناريو كشكل حكائي ، مثل مفهوم المشهد ، واللقطة وأنواع اللقطات ، والمتتالية ، والفوطو  \ مونتاج ، واهتموا أيضا بدراسة أنواع المشاهد ومحددات بدايتها ونهايتها، وعناصر السيناريو، والشخصية ، وتنظيم المعلومات ، مع تقديم نصائح حول كيفية كتابة السيناريو والطرق الملائمة لهذه الكتابة ؛  لكن الملاحظ هو أن هذه الكتب وهذه المواقع اهتمت بالحكاية وكيفية كتابة الحكاية أكثر من اهتمامها بأي مكون آخر من مكونات السيناريو المتعددة والمتشعبة  وحين اتخذت قرارا بتأليف كتاب حول موضوع السيناريو، أستجمع فيه كل ما تناوله الدارسون في هذا الجانب ، وأطعمه بما توصلت إليه الدراسات التي اشتغلت على أشكال حكائية  أخرى مثل الرواية والمسرح ... والدراسات التي اهتمت بالسميائيات عموما والسميائيات السردية على وجه الخصوص . وأنا منشغل بكل هذه المجالات ، وجدت نفسي دائما أحوم حول فرضية مهمة وهي : ألا يوجد لهذا الشكل الحكائي (السيناريو) قواعد تتحكم في اشتغاله ليس كجنس حكائي يسرد لنا حكاية ، ولكن كـلغة لها جملها الخاصة بها ، وهذه الجمل لها قواعد شبيهة بتلك التي تتحكم في بناء الجملة     اللسانية ؟.            
 وكل فرضية لابد من قيامها على أسس منطقية ، وكان الأساس المنطقي في طرح هذه الفرضية هو أننا عندما نلاحظ لقطة لشخصية تاريخية تسير وهي تضع ساعة في يدها فإننا حتما سنستهجن هذه اللقطة ونحكم على العـمل بالتـفاهة ، لكن ما الأساس الذي بنينا عليه حكمنا بتـفاهة اللقطة ؟ المتلقي العادي سيجيب : لأن الساعة لم تكن موجودة في هذه الفترة الزمنية التي يحكي عنها العمل الفيلمي ؛ المتلقي المختص سيجيب بأنه حين نقوم بتأطير الحكي وفق تخوم زمنية محددة فإننا مجبرون على التقيد بما تفرضه هذه التخوم من ضوابط وصفية للأماكن والشخصيات والأشياء...                                   
لكن هل يفهم المتلقي العادي المسألة وفق هذا التفسير؟                                                                 
  المتلقي العادي يفهم الأمور عن طريق السليقة ، مثله في ذلك مثل مستعمل اللغة العامية ، يتحدثها بطلاقة ويستطيع الحكم على تعابير الآخرين إن كانت صحيحة أم لا ، لكنه لا يستطيع استعمال قواعد نحوية  لتفسير ذلك .  
                             
   غير أننا إذا قمنا بتجريد هذه القطة من سياقها الحكائي فإن التناقض سيزول ، وسنصبح أمام لقطة لا تثير أي نوع من أنواع الاستغراب بالنسبة للمتلقي : شخص يرتدي ملابس تقليدية و يركب حصانا ويضع ساعة في يده . 
                        
   سنأخذ مثالا آخر: لقطة لفيل يطير في السماء . إذا أخذنا هذه اللقطة وقدمناها للمشاهد (المتلقي) فإنه لن يتقبلها، وسيحكم بلا معقوليتها ، لكن إذا قمنا بوضع هذه اللقطة في سياق حكائي ( فيلم كرتوني ، فيلم خيالي ...) فإن المتلقي سيتقبلها . إذن هناك لقطات لا نقبلها إلا داخل سياق ، وأخرى لا نقبلها إلا مجردة من كل سياق.       
                                                
 وبالنسبة للمثال الثاني إذا كنا نحكم على لقطة ما بأنها غير مقبولة أو غير منسجمة فإننا نفعل ذلك بناء على مقاييس ومعايير نلجأ إليها للحكم على هذه اللقطة ، ثم إننا حين نحكم على هذه اللقطة بأنها غير صحيحة أو بأنها خاطئة فإننا بشكل أو بآخر نمتلك معايير لبناء اللقطة الصحيحة ، فالخطأ مؤشر على وجود الصواب . وإذا كنا نتحدث عن وجود رسالة ومرسل ومستقبل ، فلا بد من وجود لغة مشتركة بين الاثنين لكي تتحقق العملية التواصلية ففي غياب هذه اللغة لا يمكن الحديث عن أي شكل من أشكال التواصل .                                                                                                   
  إذن إذا كان السيناريو يمتلك لغته الخاصة ، فهل يوجد لهذه اللغة تركيباتها المميزة ؟ وهل توجد قواعد تتحكم في بناء هذه التركيبات ؟ وهل يوجد داخل السيناريو ما يمكن اعتباره بمثابة الجملة داخل اللغة اللسانية ؟.                                         
 كانت هذه هي الأسئلة التي أطرت تصورنا للموضوع ، وقد حاولنا من خلال هذه الدراسة اقتراح إجابات عليها .